السلام عليكم ورحمة الله ..
لا تكاد تجد أحداً من الشعراء المعروفين بالغزل إلا وكتب عن العيون وعن تأثيرها وسحرها، فمنهم من وصف جمال العيون الحسّي من أهداب ورموش وحتى لون بؤبؤ العين، وآخرون انسحروا وطارت عقولهم من اللؤلؤ الذي تجود به عينا الحبيبة، ومنهم من تغنّى بجمال العيون المعنوي والمشاعر التي تفضحها العيون من حب أو عتاب أو شوق . لكن ما هو سر افتتان كل هؤلاء الشعراء على مر الأزمان بهذا الجزء من الجسم بالتحديد ؟!!
بتقديري الخاص أعتقد أنّ العيونَ لها تأثيرٌ يختلفُ عن غيرها من الأعضاء ؛ لأنها تعتبر النافذة التي نطل من خلالها على الشخص المقابل ونقرأ من خلالها ما يشعر به، وهي مثلُ المرآةِ التي تعكِسُ ما يجول في ذهنِ صاحبها. فعندما تلتطمُ أمواجٌ من المشاعرِ المتضاربة في ذهن المحب، يجدُ أن آلاف الكلمات لا تستطيع التعبير عن ما يريد قوله، لكن بمجرد نظرة واحدة ، ولثوانٍ قليلة تلتقي فيها أعين المحبين نجد أن هذه كل المشاعر تتجسد في العينين :
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت ** عيناي في لغة الهوى عيناكِ !
ولكنّ لغة الهوى هذه قد تكون قاتلة و تودي بالمحب إلى مراتع الهلاك ! وصحيحٌ أنّ جمال عينا المرأة آيةٌ من آياتِ الله، لكن هذا الجمال خطيرٌ جداً وينبغي الحذر منه ؛ فقد أودى هذا الجمال بعقول الكثيرين وقطّع أنياط قلوبهم !
عليمٌ بما تحت العُيونِ من الهوى ** سريعٌ بكَسرِ اللحظِ والقلبُ جازعُ
فَيجرحُ أحشائي بعينٍ مَريضةٍ ** كما لان متنُ السيف، والحدّ قاطع !!
ولا يخفى على أحدٍ قول جرير :
إنّ العيونَ التي في طرفها حَورٌ ** قتلننا ثم لم يحيينَ قتلانا
يَصرعنَ ذا اللبّ حتى لا حياةِ به ** وهنّ أضعفُ خَلقٍ الله أركانا !
إذاً حذارِ يا صاحبي من أن تقع في شراكِ تلك العيون، ولا يغرنّك جمالها الأخّاذ وسحرها الخلّاب، لأنك سوف تعيش هذا الصراع الداخلي الذي يصوره لنا الشاعر بقوله:
يـقـول قـلـبـي لـطـرفـي إذا بـكـا جـزعـاً ** تـبـكـي و أنـت الـذي حـمَّـلـتـني الـوجـعا ؟!!
فـقـال طـرفـي لـه فـيـمـا يـعـاتـبـه ** بـل أنـت حـمَّـلـتـنـي الآمـال و الـطـمـعـا !
حـتى إذا مـا خـلا كـلٌ بـصـاحـبـهِ ** كـلاهـما بـطـويـل الـسـقـم قـد قـنـعـا
نـادتـهـما كـبـدي لا تـتـعـبـا فـلـقـد ** قـطّـعـتُـمـانـي بـمـا لاقـيـتـمـا قِـطـعـا !!
إذاً يا عزيزي لا أنصحك بتصديق أحمد شوقي عندما قال :
لمّا رنا حدّثتني النفسُ قائلةً ** يا ويحَ جنبكَ بالسهمِ المصيبِ رُمي !
جحدتها، وكتمتُ السهمَ في كبدي ** جرحُ الأحبةِ عندي غيرُ ذي ألمِ ..
فجرح الأحبة ذو ألم وفتك، وأيّ ألم هو وأيّ فتك ! يروي لنا ابن الصائغِ قائلاً :
لمثلي من لواحِظها سِهامٌ ** لها في القلبِ فتكٌ أيّ فتكِ
إذا رامتْ تشُكّ به فؤاداً ** يموتُ المستهامُ بغير شكّ !
كلّ هذا العذاب قد ينجم من رُنوِّ العينينِ فقط، فما بالك إذا جادت تلك العينان بمدامعها ؟! وما الذي سوف يحدث حينها ؟! وماذا سيكون شعورك أيّها المسكين عندما ترى حبيبتك أمامك في هذا المنظر :
وأَمطرتْ لؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ ** ورداً ، وعضّت على العنّاب بالبردِ ..
وإذا تحيّرت من سبب هذه الدموع، وماذا ترنو منها حليلتك، فامرؤ القيس قد كفاك أمر هذه الحيرة :
وما ذرفت عيناكِ إلا لتضربي ** بسهميكِ في أعشار قلبٍ مقتّـلِ !
عندها، عيناك سوف تأخذ دورها بالبكاء. ولكن إن كنتَ تستنكفُ من إظهار هذا البكاء وتستكبر، فعليك القدوم بسبب مقنع لتبرير هذا البكاء ؛ لأنه ظاهر لا محالة !ولكن لا تكن كهذا الشاعر الذي داهمته الدموع عند فراق حبيبته :
قالوا قد جزعت ! فقلت كلا ! ** وهل يبكي من الطّرب الجليدُ ؟
ولكنّي أصابَ سوادَ عيني ** عُويدُ قذىً له طرفٌ حديدُ !
فقالوا ما لِدَمعهما سواءٌ ؟ ** أكلتا مقلتيكَ أصاب عُودُ ؟!!
ولكن نصيحتي الشخصية هي أن “تدق اللطمة” مثل ما فعل صاحبك مالك ابن الرّيب :
أَجبتُ الهَوى لما دَعانِي بزفرةٍ ** تقنّعتُ منها أن أُلام رِدائيَ !
أو إذا كنت في الشتاء فالحل الأنجع أن تفعل مثل ما قال الشاعر الشعبي :
أجلس، وأشبّ النار وأتذكر وليفي ** وبحجة الدّخان، أبكي على كيفي !
حماني الله وإياكم من مصارع العشّاق :)